هنــأ ممثل المرجعية العليا في أوروبا السيد مرتضى الكشميري المسلمين بحلول ليلة القدر الليلة التي آلى الله على نفسه ألا يرد فيها سائلا ما لم يسأله معصية ،قائلا ،ابتهلوا إلى الله سبحانه أن يعجل في فرج قائم آل محمد (ص) الذي بظهوره تمحى مظاهر الظلم والجور واسألوه أن يعينكم على أمور دينكم ودنياكم وأن يعتق رقابكم من النار (فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم)
وإليكم نص حديثه الرمضاني بمناسبة حلول ليلة القدر: إن ليلة القدر المباركة ليلة يفتح الله فيها أبواب السماء لعباده ليستمطروا شآبيب رحمته ويغرفوا من بحر جوده وكرمه ويغتسلوا من أدناس ذنوبهم وأدران خطاياهم.. تلك الليلة التي لا تطاولها ليلة شرفا ومنزلة وعلوا لأنها الليلة التي أنزل الله فيها كتابه الكريم وفرقانه العظيم ليكون هاديا للناس ومرشدا، وهي التي تنزل فيها الملائكة حتى تضيق بهم الأرض كما جاء في الأحاديث المعتبرة عن أئمة أهل البيت (ع)، وفيها تقدر مقدرات الخلائق في مختلف شؤون السنة ولذلك جاءت التعاليم النبوية المستمدة من الوحي الإلهي التي أوحى بها إلى نبيه (ص) بضرورة الاستعداد فيها للصلاة والابتهال والدعاء والانقطاع إلى الله والتقرب إليه بالكلمة الخاشعة والدمعة الخائفة والشهقة المبتهلة ليحصل العبد على رضاه فيكون ذلك أساسا للتقدير الإلهي لمصير الإنسان الذي يمثل عناية الله به ورعايته له وانفتاحه عليه بربوبيته الحانية الرحيمة. وذلك هو السر الذي يرتبط به الإنسان بليلة القدر في مواقع إنسانيته ليلتقي بالسر الإلهي في رحاب ربوبيته لينطلق الإنسان إلى ربه قائما وقاعدا وراكعا وساجدا في إخلاصه وفي ابتهاله وفي خشوعه لتكون هذه الليلة موعدا إلهيا يتميز عن أي موعد آخر. فبإمكان الإنسان أن يلتقي بالله في كل وقت ولكن لقاءه به في ليلة القدر شيء آخر فهي خير من ألف شهر فالرحمة فيها تتضاعف والعمل الصالح فيها يكبر والخير فيها يكثر وعطايا الله تتزايد. وهي بعد ذلك ليلة السلام الذي يعيش فيه الإنسان روحية السلام مع نفسه ومع الناس لأنها تحولت إلى معنى السلام المنفتح بكل معانيه إلى الله ليكون بردا وسلاما على قلب الإنسان. ولذا يمكننا أن نقول أن ليلة القدر هي سلام للروح (سلام هي حتى الفجر)، فليس فيها أي معنى يوحي بالشر والبغض والأذى مما يرهق مشاعر السلام للإنسان. إنه سلام الروح الذي يمتد في روحانيته هذه الليلة في كل دقائقها وساعاتها في رحمة الله ولطفه حتى مطلع الفجر ليبدأ يوم جديد يتحول فيه الإنسان فيما أفاض الله عليه من روحه وريحانه إلى إنسان جديد إنسان الخير والمحبة والسلام في آفاق الله الرحمن الرحيم الذي هو السلام المؤمن العزيز الجبار المتكبر. تلك هي ليلة القدر في بعض مظاهرها والتي قد يكون لها موعد معين معلوم وربما أخفاها الله تعالى في الليالي لينطلق العباد في عبادته عز وجل في أكثر من ليلة لاحتمال أنها ليلة القدر حتى يتعودوا أن تكون لياليهم في معنى ليلة القدر في الخضوع والقرب من الله، وذلك ما يريده الله لعباده أن يتقربوا إليه ويلتقوا به ليصلوا إليه بأرواحهم وقلوبهم لانهم لا يملكون الوصول إليه بأجسادهم فما أعظمها من ليلة! وما أشرفها! وما أشد خسارة من يكون فيها لاهيا عن الله منصرفا إلى دنياه! لذا يجب أن يتضرع الخلق جميعا إلى بارئهم راجين منه أن يعجل في فرج ولي الله الأعظم لأنه بظهوره تمحى مظاهر الظلم والجور ويعم الخير كل الخير والأمن كل الأمن أرجاء المعمورة وهو اليوم الذي وعد الله به عباده لقوله تعالى( (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا))
وقال عز وجل:((وَنُريدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ استُضعِفوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوارِثينَ ، وَنُمَكِّنَ لَهُم فِي الأَرضِ وَنُرِيَ فِرعَونَ وَهامانَ وَجُنودَهُما مِنهُم ما كانوا يَحذَرونَ)).
إن التوجيهات الربانية تدعونا إلى أن نلتجئ إلى الله في هذه الليلة من اعماق قلوبنا بأن يوفقنا لما فيه صلاح أنفسنا وأسرنا ويقينا من شرور هذا الزمان التي تمثلت بشياطين الإنس قبل الجن، وأن يوفقنا للاعتصام بكتابه والعمل بسنة النبي (ص) وأهل بيته (ع) فإن فيهما ما يحصن ديننا وعقيدتنا من الزيغ والاختلاف، وأن يبصرنا طريق الهداية والالتزام بخط القيادة النائبة الحقة في عصر الغيبة التي ما زالت تزودنا بالآراء السديدة وترعانا رعاية الأب الحنون لأولاده ولا سيما في هذه الظروف العصيبة التي يعيشها العالم الإسلامي من هرج ومرج واختلاف وتقلب من سيء إلى أسوأ. هذا وختاما نسأل المولى سبحانه وتعالى أن يعيننا على أنفسنا بما يعين به الصالحين على أنفسهم وأن يوفقنا للقيام بأعمال هذه الليلة ووظائفها على أحسن وجه يريده..
(اللهم وفقني فيه لليلة القدر على أفضل حال تحب أن يكون عليها أحد من أوليائك وارزقني فيها أفضل ما رزقت أحدا ممن بلغته إياها وأكرمته بها واجعلني فيها من عتقائك من النار وسعداء خلقك برحمتك يا أرحم الراحمين).